الصين تصدر خرائط مطبوعة بطريقة برايل لمساعدة ذوي الاعاقة البصرية

 


منى سعيد 

لطالما بقي جمال الآثار الثقافية والمناظر الطبيعية في الصين بعيدًا عن متناول نحو 17 مليون شخص يعانون من إعاقات بصرية في البلاد. لكن هذا الواقع بدأ يتغيّر الآن.

ففي يوم الإثنين، قبيل اليوم العالمي لعصا البيض (White Cane Safety Day) الذي يُحتفل به في 15 أكتوبر من كل عام، كشفت الصين عن سلسلة من المنشورات الثقافية الميسَّرة: «خرائط الصين والعالم»، و«كنوز ملموسة من متحف القصر»، و«رحلة ملموسة على طول نهر تشينغ مينغ». 

وتشكل هذه الإصدارات أول خرائط ملموسة تُنتج بكميات كبيرة، وأول كتب تراثية ملموسة تُنشر على المستوى الوطني في الصين، وهي مصممة خصيصًا لذوي الإعاقة البصرية.

قال هاو قانغ، رئيس دار نشر ستار ماب (Star Map Press): «الخرائط وسيلة مهمة للتثقيف حول الدفاع الوطني، ولا يمكننا أن نترك ذوي الإعاقة البصرية خلف الركب.»

وأوضح هاو لصحيفة غلوبال تايمز أن فكرة سلسلة الخرائط الملموسة الجديدة نبعت من رؤية أطفال مكفوفين يعتمدون فقط على الوصف اللفظي لـ«تخيّل الخرائط».

وأضاف: «أردنا أن يتمكّنوا من تتبع حدود بلادهم بأيديهم، وأن يفهموا معنى أراضي الصين ومجالها الجوي ومياهها الإقليمية.»

من جهته، أشار تشو بينغ، مدير مكتبة الصين للبرايل، التي ساعدت في إنتاج الكتابين الملموسين الجديدين، إلى أن المنشورات الحالية المطبوعة بنظام برايل — مثل الكتب ذات الخط الكبير، والنسخ المدمجة بين الطباعة العادية وبرايل، وبعض كتب الصور الملموسة — نادرًا ما غطّت الأعمال الثقافية التقليدية مثل الآثار والخط الصيني واللوحات.

وقال تشو: «هدفنا من إنتاج هذه الكتب الملموسة هو تمكين القرّاء المكفوفين من تجربة جمال الفن الصيني التقليدي عبر اللمس.»

ويُعدّ هذا الإطلاق خطوة كبيرة في مساعي الصين المستمرة لجعل الثقافة أكثر شمولًا وسهولة في الوصول.

استغرق تطوير خرائط الصين والعالم الميسَّرة ما يقارب عامًا كاملًا، وفقًا للدار الناشرة، وهي الأولى في البلاد التي تُنتج بكميات كبيرة باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بالراتنج.

تتميز الخرائط بخطوط بارزة بارتفاع دقيق يبلغ 0.5 ملليمتر. وتغطي خريطة الصين جميع المناطق الإدارية على مستوى المقاطعات البالغ عددها 34، إضافةً إلى المعالم الجغرافية الرئيسية، بينما تستخدم خريطة العالم نسيجًا مختلفًا لتمييز القارات السبع والمحيطات الأربعة.

وقد طُبعت الخرائط على ورق سميك ومتين مقاوم للماء والرطوبة، بقياس 52 × 73 سنتيمترًا، وهو الحجم المناسب لوضعها على طاولة لاستكشافها باللمس. وتجمع الخرائط بين نظام برايل ورموز بارزة متنوعة.

يمكن للقراء المكفوفين تتبع الخطوط والنقاط والأسطح ذات النسيج المختلف لإدراك التضاريس والعلاقات المكانية للمناطق داخل الصين وحول العالم، ما يعزز فهمهم للجغرافيا ويحسّن إدراكهم المكاني.

قال باو قوهونغ، نائب رئيس تحرير دار نشر الصين للبرايل: «لا يستطيع المكفوفون تكوين مفاهيم مكانية من خلال الصور كما يفعل الأشخاص المبصرون. ولهذا، تُعدّ الخرائط الملموسة أداة متخصصة تزيل الحواجز أمام تحسين الإدراك المكاني وتعلّم الجغرافيا، وتلعب دورًا مهمًا في التوجيه والملاحة اليومية.»

وفي المستقبل، تخطط دار ستار ماب لإضافة تعليق صوتي إلى خرائط الصين والعالم الميسَّرة، ليتيح ميزة «المسح والقراءة». كما سيتم إطلاق برامج تدريس تجريبية في مدارس المكفوفين لجمع الملاحظات وتحسين المواد باستمرار، وفقًا للدار الناشرة.

وبالتعاون مع دار نشر الصين للبرايل، يجري حاليًا تطوير أطالس خرائط ميسَّرة أكثر تفصيلًا ومجموعات خرائط إضافية.

وقال هاو: «تسعى هذه المبادرة إلى خلق بيئة تعليمية متكافئة وسهلة الوصول وخالية من الحواجز، والإسهام في الجهود الأوسع لتعزيز القراءة للجميع وبناء مجتمع أكثر شمولًا.»

جهود أوسع

في اليوم نفسه، قدّم الإصداران «المستندان إلى اللمس» أكثر من 30 قطعة أثرية ثمينة من مجموعات متحف القصر.

قال تشو: «من خلال تقنيات النقش البارز، مثل الخطوط والنقاط والحواف المنقوشة، يعيد الكتابان إنتاج المظهر الأصلي للقطع الأثرية بطريقة ملائمة للمس، مما يسمح للقراء المكفوفين بـ‘الشعور’ بشكل ونقوش القطع الأثرية.»

وتتماشى الخرائط والكتب التراثية الملموسة مع روح قانون بناء بيئة معيشية خالية من الحواجز، الذي دخل حيز التنفيذ في سبتمبر 2023.

ومنذ تطبيق القانون، عجّلت المؤسسات الثقافية العامة والناشرون بإنتاج مواد سهلة الوصول.

قال جيانغ شينغ (34 عامًا)، وهو معالج تدليك في الطب الصيني التقليدي مقره بكين، لصحيفة غلوبال تايمز إن الاستخدام الطويل لكتب برايل يؤدي إلى تسطّح النقاط البارزة، ما يجعل قراءتها أصعب. ولذلك، يعتمد أيضًا على تطبيقات الهاتف المحمول للقراءة الميسَّرة.

وأشار باو قائلًا: «مهمتنا الأساسية هي تلبية الاحتياجات الثقافية والفكرية المتنوعة والمتعددة المستويات للقراء المكفوفين. هدفنا هو ضمان تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية بحق متساوٍ في القراءة، والمشاركة في الحياة الثقافية، ومشاركة إنجازات الحضارة. وما نسعى إليه هو إزالة العقبات التي تواجههم في رحلتهم الثقافية.»

وقد انطلقت أعمال أخرى بالفعل، 

مثل إصدارات ملموسة لفن الخط الصيني التقليدي، وفن النقش على الأختام، والمحور المركزي للعمارة في بكين، وأطالس خرائط برايل أكثر تفصيلًا.

وفي مواقع عديدة، يُضيء مشروع «السينما المضيئة» (Bright Cinema) حياة المكفوفين في الصين، ويساعدهم على فهم الأفلام بشكل أفضل.

نقلا عن جلوبال تايمز