رؤية شرق أوسطية: اتفاق غزة "هدنة مؤقتة" فرضتها الضرورات الإنسانية والسياسية

 


(شينخوا) منى سعيد 

أسفرت المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مدينة شرم الشيخ المصرية عن اتفاق بشأن كافة بنود وآليات تنفيذ المرحلة الأولى من خطة وقف إطلاق النار في غزة، الذي دخل بالفعل حيز التنفيذ في الساعة 12:00 (9:00 بتوقيت غرينتش) ظهر اليوم (الجمعة).

واعتبر مراقبون ومحللون سياسيون، أن هذا الاتفاق "هدنة مؤقتة" و"استراحة تكتيكية" للطرفين، فرضتها الضرورات الإنسانية والسياسية، أكثر منه اتفاق سلام نهائي أو تسوية دائمة لاسيما أن المفاوضين أرجأوا القضايا الأكثر إثارة للجدل إلى المرحلة الثانية.

ورجح أغلب المراقبين، أن يصمد هذا الاتفاق في المدى القريب، وطالما ظل محصورا في الجانب الإنساني، لكنه معرض للانهيار إذا لم تعالج القضايا الحساسة بجدية.

وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء الماضي، أن إسرائيل وحماس وافقتا على المرحلة الأولى من خطته المكونة من 20 نقطة لإنهاء الحرب في غزة.

 (الخميس)، أعلن الوسطاء (مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة) الوصول إلى اتفاق بشأن كافة بنود وآليات تنفيذ هذه المرحلة الأولى.

ويهدف الاتفاق إلى تحقيق وقف شامل للحرب، والإفراج عن المحتجزين والأسرى بين الجانبين، ودخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.

وجاء الإعلان عن الاتفاق بعد محادثات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل في شرم الشيخ بدأت يوم الإثنين الماضي.

منصور أن "الاتفاق الحالي يركز على قضايا إنسانية عاجلة مثل إدخال المساعدات وتبادل الأسرى ووقف العمليات العسكرية، لكنه لا يتطرق بوضوح إلى مستقبل الوضع في غزة أو إلى قضايا أساسية مثل نزع سلاح المقاومة أو إعادة الإعمار، لذلك يمكن وصفه بأنه هدنة مؤقتة أو مرحلة أولى أكثر منه اتفاق سلام أو تسوية دائمة".

وكرر أن "الاتفاق يمثل استراحة تكتيكية للطرفين (إسرائيل وحماس) أكثر مما هو اتفاق نهائي أو دائم".

وشاطره الرأي ستيفن رايت الأستاذ بجامعة حمد بن خليفة في قطر بقوله إن "الاتفاق يعد إيجابيا في إنهاء الأزمة الراهنة بنجاح، إلا أن الطريق طويل ومعقد للغاية، وأعتقد أن القضية الرئيسة هي أن هذا الاختراق تحقق تحديدا لأن المفاوضين أرجأوا القضايا الأكثر إثارة للجدل إلى المرحلة الثانية".

وأضاف لـ((شينخوا))، أن "هناك العديد من العقبات الرئيسة التي يجب التغلب عليها، بما في ذلك نزع السلاح وجهود إعادة الإعمار ومستقبل حماس نفسها، حيث تستثنيها الخطة صراحة من الحكم، ومع ذلك لا يوجد ما يشير إلى أنها ستحل نفسها طواعية".

وواصل قائلا "من وجهة نظري، إلى أن تتضح هذه القضايا، فإن هذا الاتفاق إيجابي للغاية ومرحب به، لكنه يبقى هدنة هشة بدلا من أن يكون سلاما دائما".

بدوره، اعتبر الدكتور أيمن عمر مدير "مركز إشراق للدراسات"، ومقره لبنان، أن الاتفاق بين إسرائيل وحماس "فرصة لفتح باب الدبلوماسية قد تؤدي لتهدئة نسبية في المنطقة".

وقال عمر لـ((شينخوا)) إن "الاتفاق يعكس إدراك طرفي النزاع أن استمرار القتال لم يعد ممكنا أو مجديا، وأن الاتفاق ضروري من الناحيتين الإنسانية والسياسية، ويمثل خطوة مهمة نحو التهدئة بعد سنتين من حرب التدمير والأرض المحروقة والإبادة والتجويع في غزة".

ورأى أن "الاتفاق هش لأن جذور الصراع ما زالت قائمة، ولوجود خلافات عميقة حول القضايا الجوهرية مثل الدولة الفلسطينية المستقلة، ووضع المسجد الأقصى، ومستقبل غزة، ودور حماس، ونزع السلاح".

وأشار إلى أن "الاتفاق يمكن اعتباره فرصة لالتقاط الأنفاس وفتح باب الدبلوماسية أكثر من كونه حلا نهائيا"، لافتا إلى أن تضافر جهود الدبلوماسية الأمريكية والعربية والتركية والضغط على الطرفين هو الذي أفضى إلى الاتفاق.


وشدد عمر على أن نجاح الاتفاق يمكن أن يشكل منطلقا جديا لإحياء المسار السياسي للقضية الفلسطينية، لأنه يفتح نافذة لإعادة طرح حل الدولتين وإحياء المفاوضات بشأنه.

واعتبر أن "نجاح الاتفاق يتطلب توحيد الصف الفلسطيني بين حماس والسلطة الفلسطينية، وضغطا دوليا مستمرا على إسرائيل للقبول بمسار سياسي جدي، إلى جانب التزام عربي لتأمين الدعم السياسي والمالي، وتوافر هذه الشروط يمكن الاتفاق أن يكون بداية لمسار جديد، بينما غيابها سيبقي الاتفاق مجرد هدنة مؤقتة لا أكثر".

واتفق معه مطاوع بقوله إن "الانتهاء من مشكلة غزة ربما يخلق مسارا سياسيا للقضية الفلسطينية ليس بالضرورة الآن، لأنه سوف تكون هناك انتخابات في إسرائيل، وليس بالضرورة أن يفوز نتنياهو فيها".

واستطرد "اعتقد أن المسار السياسي لن يكون موجودا طالما اليمين الإسرائيلي ما زال يحكم، وحماس موجودة في الصورة، المسار السياسي يتطلب أن يكون الطرفين غير موجودين".

أما مبارك آل عاتي، فقد رأى أن اتفاق غزة "يمثل منعطفا مهما تعيشه المنطقة من شأنه أن يعزز فرص انطلاق مفاوضات السلام وفق حل الدولتين".

في حين قال منصور إن الاتفاق "من الناحية النظرية يمكن أن يشكل بداية لإحياء المسار السياسي لكن بشروط، فلا يمكن أن يكون هناك مسار حقيقي من دون توافق فلسطيني داخلي، كما أن أي عملية سياسية تحتاج إلى ضمانات دولية قوية تضمن عدم تكرار سيناريوهات الفشل السابقة".

وختم بتأكيده أن "الظروف الحالية لا تشير إلى أن هناك نية إسرائيلية واضحة للانخراط في عملية سلام جادة، لكن الاتفاق يخلق فرصة، وإن كانت محدودة، لإعادة وضع القضية الفلسطينية على جدول الاهتمام الدولي، وإذا استثمرت هذه الفرصة بشكل ذكي من قبل القيادة الفلسطينية والدول العربية، فقد تكون بداية لمسار جديد يربط بين وقف إطلاق النار وتحقيق تقدم سياسي تدريجى