"فظائع الاحتلال الياباني للصين: من مجزرة نانجينغ إلى تجارب وحدة 731و تاريخ من الدم والإبادة المنسية
في شتاءٍ قارس من عام 1937، لم يكن الثلج هو ما كسا شوارع مدينة نانجينغ، بل الدماء. صرخات النساء، أنين الأطفال، وصمت القبور الجماعية كانت الصوت الوحيد الذي سُمع آنذاك، عندما اجتاحت القوات اليابانية عاصمة الصين المؤقتة، وفتحت فصلاً من أكثر فصول التاريخ دموية ووحشية.
بداية السقوط
منذ غزو منشوريا عام 1931، كانت النوايا اليابانية واضحة: احتلال واسع النطاق وإخضاع كامل للروح الصينية. وما إن بدأت الحرب اليابانية الصينية الثانية عام 1937، حتى تحوّلت المدن الصينية إلى ساحات قتل منظم. وكانت نانجينغ — رمز الثقافة والسياسة — أول الضحايا الكبرى.
مذبحة نانجينغ: حين تحوّلت المدينة إلى مقبرة
لستة أسابيع متتالية بعد سقوط نانجينغ في ديسمبر 1937، عاث الجنود اليابانيون فسادًا في المدينة. أُعدم أكثر من 300,000 مدني وعسكري أعزل بطرق وحشية؛ من الطعن حتى الموت إلى الدفن أحياءً. النساء، من الطفلات إلى المسنات، لم يسلمن، حيث تم اغتصاب ما بين 20,000 إلى 80,000 منهن في حملة منظمة من العنف الجنسي الجماعي.
الأطفال كانوا أهدافًا حية، يُرمى بهم في الهواء ويُغرسون بحراب الجنود. كبار السن يُساقون حفاة إلى حفر الموت. ولم يكن ذلك حربًا، بل إبادة جماعية ارتُكبت بدم بارد، أمام أعين بعض الدبلوماسيين الأجانب الذين حاولوا، عبثًا، إنشاء "منطقة أمان" للمدنيين
"نساء المتعة": اغتصاب مقنن باسم الجيش
لم يكن الاغتصاب مجرد نتاج لحالة حرب، بل كان سلاحًا منظمًا. أنشأ الجيش الياباني نظام "نساء المتعة"، حيث خُطفت عشرات الآلاف من الفتيات الصينيات والكوريات وأُجبرن على العمل في بيوت دعارة عسكرية. شهادات الناجيات، واعترافات بعض الجنود لاحقًا، كشفت فصولًا من العار لا يمكن نسيانها.
وحدة 731: حين صار الإنسان فأر تجارب
في منشآت سرية بمدينة هاربين، أنشئت "وحدة 731"، وهي وحدة أبحاث يابانية تجرّب على البشر دون أدنى شفقة. أجريت تجارب مروعة على أسرى صينيين: تشريح أحياء، تجميد أطراف حتى التفتت، إصابات بالجمرة الخبيثة والطاعون. أكثر من 3000 شخص ماتوا مباشرة داخل الوحدة، بينما قُتل مئات الآلاف نتيجة نشر الأوبئة عمدًا.
التهجير القسري والإعدامات الجماعية
امتدت أيدي الاحتلال الياباني إلى القرى الصينية، التي تم حرقها وتدميرها بالكامل. عائلات بأكملها اقتيدت إلى المجهول، أو استُخدمت كدروع بشرية. لا محاكمات، لا محامٍ، ولا حتى اتهام رسمي — مجرد قرار ميداني بالإعدام.
العالم يشاهد بصمت
رغم تقارير المراسلين الأجانب، وتوثيق المجازر في صحف عالمية مثل نيويورك تايمز، لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل فعّال. بعض الدبلوماسيين الألمان والأمريكيين في نانجينغ وثّقوا الفظائع، لكن الصمت العالمي دام طويلاً.
المحاسبة المؤجلة... والعدالة الغائبة
عقب الحرب، عُقدت "محاكمات طوكيو" (1946–1948) لمحاكمة قادة الجيش الياباني. أُدين بعضهم، لكن الكثير من المجرمين، خاصة المسؤولين عن وحدة 731، أفلتوا من العقاب مقابل تزويد الولايات المتحدة ببياناتهم "الطبية". حتى اليوم، لا تزال مسألة الاعتذار والتعويض محل جدل سياسي بين اليابان والصين.
الذاكرة الحيّة
ما حدث في نانجينغ ليس مجرد ماضٍ يُروى، بل جرحٌ مفتوح في جسد الإنسانية. في كل مرة نحاول فيها نسيان تلك المذبحة، نخاطر بتكرارها في مكان آخر. إن التوثيق، والمحاسبة، والتعليم عن هذه الجرائم ليست خيارًا، بل ضرورة لبقاء الكرامة البشرية حيّة.