عمرو حجازى يكتب نحو حل عادل ومستدام... التدرج هو السبيل لإنهاء أزمة الإيجار القديم
بقلم: مهندس عمرو حجازي
مع تجدد الحوار الوطني الهام حول قضية الإيجار القديم، والتي تلامس اهتمامات ملايين الأسر المصرية ملاك ومستأجرون، تتضح معالم الحل العملي والممكن، وهنا، يبرز مبدأ "التدرج في الحل" ليس كخيار صعب، بل كخارطة طريق واضحة ومنظمة تقودنا نحو تسوية نهائية وعادلة، فمن خلال خطوات مدروسة ومرحلية، يمكننا طي صفحة هذا الملف الذي طال أمده، عبر رؤية منطقية تضمن انتقالاً سلساً وعادلاً يحقق مصلحة جميع الأطراف.
تثمين للنهج الحكومي وضرورة المعالجة المالية العادلة
نثمن توجه الحكومة المصرية نحو تبني فترة انتقالية، وهو ما يعكس إدراكًا لضرورة المعالجة التدريجية، ولكن، لكي تكون هذه الفترة فعّالة، يجب أن تترافق مع حل مالي يعالج جوهر المشكلة: المتمثلة في القيم الإيجارية المتجمدة التي لا تعكس أي قيمة اقتصادية حقيقية.
مقترح مالي متدرج: شرح تفصيلي للعملية الحسابية
بدلًا من الزيادات المقطوعة الهزيلة، نقترح ربط القيمة الإيجارية بالقيمة السوقية، وهو المبدأ الاقتصادي السليم، وإليك كيف يمكن تطبيق ذلك بشكل متدرج وعادل:
الخطوة الأولى: تحديد القيمة الإيجارية العادلة (السعر المرجعي)
تُحسب القيمة الإيجارية الشهرية العادلة كنسبة من القيمة السوقية، وهي تتراوح عالميًا بين 0.8% و1.1%.
• المعادلة: الإيجار الشهري العادل = القيمة السوقية للعقار × (نسبة تتراوح بين 0.8% و1.1%).
• مثال: شقة قيمتها السوقية 1,000,000 جنيه.
إيجارها الشهري العادل يتراوح بين 8,000 جنيه و11,000 جنيه.
عوامل تؤثر على النسبة:
تتأثر نسبة عائد الإيجار بعدة عوامل منها: الموقع، حالة العقار، مستوى التشطيبات، الطلب على الإيجارات في المنطقة، والوضع الاقتصادي العام مثل أسعار الفائدة والتضخم.
الخطوة الثانية: تطبيق التدرج خلال الفترة الانتقالية (5 سنوات)
لتجنب أي صدمة على المستأجر، لا يتم تطبيق القيمة الكاملة فورًا، بل نبدأ بنصف الحد الأدنى، ثم نطبق زيادة سنوية مدروسة.
نقطة البداية (السنة الأولى): 50% من الحد الأدنى للقيمة العادلة.
في مثالنا: 50% × 8,000 جنيه = 4,000 جنيه شهريًا.
بنهاية السنوات الخمس، يكون الإيجار قد اقترب من القيمة العادلة الدنيا بشكل تدريجي ومقبول، مما يمهد لتحرير كامل للعلاقة الإيجارية.
ولتحديد القيمة السوقية للعقار بالآليات والطرق المستخدمة عالمياً:
أولاً الجهات والآليات المسؤولة عن التقييم:
• المقيمون العقاريون المعتمدون: خبراء متخصصون مسجلون لدى الهيئة العامة للرقابة المالية.
• لجان الحصر والتقدير: تابعة لمصلحة الضرائب العقارية.
• قواعد البيانات الحكومية: مثل بيانات الشهر العقاري والمنصات العقارية الرسمية.
• لجان مشتركة متخصصة: يمكن تشكيلها من الجهات المذكورة أعلاه لتتولى مهمة التقييم بشكل رسمي.
ثانياً الطرق العلمية للتقييم العقاري:
• طريقة المقارنة بالبيوع المماثلة (نهج السوق).
• طريقة التكلفة (نهج القيمة الاستبدالية).
• طريقة رسملة الدخل (نهج الدخل).
مقترح عملي لتطبيق التدرج: إنهاء العقود على مراحل زمني
يتكامل الحل المالي مع جدول زمني لتحرير العقود، يعطي الأولوية للمباني الأشد خطورة والأقدم، مما يمنح المستأجرين في العقارات الأحدث فترة أطول لترتيب أوضاعهم.
• السنة الأولى من الفترة الانتقالية: إخلاء المباني الصادر بحقها قرارات إزالة أو تنكيس شامل.
• السنة الثانية من الفترة الانتقالية: تحرير عقود المباني المنشأة قبل 1 يناير 1944.
• السنة الثالثة من الفترة الانتقالية: تحرير عقود المباني من 2 يناير 1944 وحتى 4 نوفمبر 1961.
• السنة الرابعة من الفترة الانتقالية: تحرير عقود المباني من 5 نوفمبر 1961 وحتى 6 أكتوبر 1973.
• السنة الخامسة والأخيرة: تحرير عقود المباني من 7 أكتوبر 1973 وحتى 30 يناير 1996.
الفوائد الشاملة للحل المقترح: رؤية للمصلحة العامة
إن تطبيق هذا الحل المزدوج (المالي والزمني) سيحقق سلسلة من الفوائد التي تتجاوز طرفي العلاقة لتخدم الاقتصاد والمجتمع ككل:
1. زيادة المعروض من الوحدات السكنية وتحقيق استقرار الأسعار:
يوجد آلاف الوحدات السكنية المغلقة أو المهملة لأن عائدها لا يغطي حتى تكلفة صيانتها، عندما يصبح الإيجار مجديًا، سيتحفز الملاك لإعادة تأهيل هذه الوحدات وعرضها في السوق، هذه الزيادة الكبيرة في المعروض ستلبي جزءًا من الطلب المتزايد، مما يساهم في كبح جماح ارتفاع الأسعار وجعلها في متناول شريحة أكبر من المواطنين على المدى الطويل.
2. تحفيز الإيجار طويل الأمد واستعادة الثقة في السوق:
الخوف من الوقوع في فخ "الإيجار القديم" جعل الملاك يفضلون البيع أو الإيجارات قصيرة الأمد والمؤقتة، وجود قانون عادل وواضح يعتمد على قيمة السوق الحقيقية سيعيد الثقة للمستثمرين العقاريين، ويشجعهم على عرض وحداتهم للإيجار كاستثمار آمن ومستقر وطويل الأمد، مما يوفر استقرارًا أكبر للأسر المستأجرة.
3. تعظيم إيرادات الدولة لصالح الخزانة العامة:
تعتمد حصيلة الضريبة العقارية بشكل مباشر على القيمة الإيجارية للعقار، مع القيم الحالية المتدنية، فإن الإيرادات منعدمة، بينما عند تطبيق القيم الإيجارية العادلة بشكل تدريجي وموثق، ستتضاعف حصيلة هذه الضريبة بشكل هائل، مما يوفر للدولة سيولة مالية وفيرة يمكن توجيهها لتحسين الخدمات العامة وتمويل مشاريع البنية التحتية ودعم برامج الإسكان الاجتماعي.
إن الوصول إلى حل لأزمة الإيجار القديم يتطلب الإرادة السياسة وهي بإذن الله متوفرة، وتضافر الجهود، فالحكومة ومجلس النواب مدعوون للنظر بعين المدقق في هذه المقترحات، للوصول إلى صيغة توافقية تنهي الظلم الواقع على الملاك، وتحفظ كرامة المستأجرين، وتصون الثروة العقارية لمصر من الانهيار.