عمرو حجازي:الرد"القاتل"لأهم دفوع المستأجرين: لماذا لا يقيد حكم 2002 يد البرلمان في تشريع ينهي الإيجار القديم؟

 


بقلم: مهندس عمرو حجازي

في خضم الجدل الدائر حول تعديلات قانون الإيجار القديم، يبرز دفاع جوهري يتمسك به المستأجرون ومناصروهم، مؤداه أن البرلمان الحالي لا يملك المساس بالامتداد القانوني لعقود الإيجار على نحو يخالف ما استقر عليه حكم المحكمة الدستورية العليا الشهير الصادر عام 2002، إلا أن هذا الدفع، رغم أهميته الظاهرية، يتهاوى أمام مبادئ دستورية راسخة وقراءة متعمقة لفلسفة الرقابة على دستورية القوانين في ظل تعاقب الدساتير.

حقيقة دستورية لا تقبل الجدل: سمو دستور 2014

يكمن الرد القاتل على هذا الدفع في مبدأ أساسي: التشريعات القائمة، حتى تلك التي صدرت في ظل دساتير سابقة وحُكم بدستوريتها بناءً على تلك الدساتير، تخضع في أحكامها الموضوعية للدستور الحالي النافذ، وهو دستور 2014. فالعبرة في تقييم مدى اتفاق القانون مع الدستور من حيث المضمون والحقوق التي ينظمها، تكون بالدستور الساري وقت النظر في دستورية القانون.

أما ما يُستدعى من الدستور السابق الذي صدر القانون في ظله، فيقتصر أثره على الجوانب الشكلية والإجرائية لإصدار القانون (مثل استيفاء إجراءات معينة لإصداره أو النصاب اللازم للموافقة عليه). هذه التفرقة، التي استقر عليها فقه المحكمة الدستورية العليا المصرية، تعني أن البرلمان الحالي يمتلك كامل السلطة لإعادة تنظيم الحقوق والواجبات، بما فيها تلك المتعلقة بعقود الإيجار القديمة، بما يتوافق مع فلسفة دستور 2014 وأحكامه الموضوعية الجديدة. وهذا قد يتضمن، وبشكل صريح، إعادة النظر في الامتدادات القانونية لعقود الإيجار.

حكم 2002: سياق تاريخي ونطاق محدد

إن حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 70 لسنة 18 قضائية، الصادر في 3 نوفمبر 2002، والذي قضى بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فيما لم تتضمنه من النص على انتهاء عقد الإيجار بانتهاء إقامة آخر المستفيدين من الامتداد، هو حكم صدر في ظل دستور 1971. وقد عالج هذا الحكم مسألة دستورية محددة في إطار ذلك الدستور.

والقول بأن هذا الحكم يقيد يد البرلمان الحالي بشكل مطلق هو قول يتجاهل تغير البيئة الدستورية، فالبرلمان اليوم، وهو يمارس سلطته التشريعية، وملزم بالدرجة الأولى بأحكام دستور 2014.، وأما حجية أحكام المحكمة الدستورية، رغم كونها مطلقة وملزمة للكافة، لا تعني تجميد الأوضاع القانونية إلى الأبد أو منع المشرع من إعادة تنظيم موضوع سبق للمحكمة أن تعرضت لنص يتعلق به، طالما أن التنظيم الجديد يستجيب لمقتضيات دستورية قائمة أو متغيرة.

"مدة العقد" و "الامتداد القانوني": تمييز حاسم

يضاف إلى ما سبق، التمييز الجوهري الذي أكد عليه الرأي القانوني الأصلي بين "مدة العقد" الأصلية التي ارتضاها الطرفان، و"الامتداد القانوني" الذي فرضته اعتبارات وظروف استثنائية تدخل المشرع بموجبها لتمديد العقود، إذ أن هذا "الامتداد القانوني" ليس جزءًا أصيلاً من إرادة المتعاقدين الأوائل، بل هو أثر أضافه القانون لاعتبارات قدرها المشرع في حينه.

والمحكمة الدستورية العليا ذاتها، في مسيرتها القضائية، تدخلت لتعديل نطاق هذا الامتداد، مما يثبت أنه ليس حقًا مقدسًا لا يمكن المساس به، بل هو تنظيم قانوني خاضع لتقدير المشرع بما يحقق التوازن والعدالة الاجتماعية في ضوء الظروف المتغيرة والمبادئ الدستورية الحاكمة.

البرلمان يملك الكلمة الفصل وفق دستور 2014

بناءً على كل ما تقدم، يتضح أن الدفع بعدم قدرة البرلمان على تنظيم مسألة الامتداد القانوني لعقود الإيجار القديم بما قد يخالف منطوق حكم 2002 هو دفع لا يستقيم دستوريًا. فالمشرع الحالي، مستندًا إلى دستور 2014، يملك كامل الصلاحية لإعادة النظر في هذه المسألة الشائكة، وتقييم مدى توافق الامتدادات القائمة مع المبادئ الدستورية الجديدة، بما في ذلك مبادئ حماية الملكية الخاصة، والتوازن بين مصالح أطراف العلاقة الإيجارية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بمفهومها المتطور.

وعليه، فالحكم الدستوري الصادر عام 2002 ليس قيدًا أبديًا، بل هو محطة في تطور التنظيم القانوني للعلاقات الإيجارية، ويجب أن يُقرأ في سياقه الدستوري والتاريخي، دون أن يحول دون ممارسة البرلمان لسلطته الأصيلة في التشريع وفقًا للدستور النافذ.